كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


نبه بهذا الحديث على أن من أمراض النفس المذمومة شرعاً التزام قول الحق في كل موطن‏.‏ قال ابن عربي‏:‏ من أكبر أمراض النفس التزام قول الحق في كل موطن ودواؤه معرفة المواطن التي ينبغي أن يصرفه فيها فإن حكاية الرجل ما يفعله بأهله في فراشه حق وهو من العظائم والغيبة والنميمة حق وقد عدها بعض الأئمة من الكبائر والنصيحة في الملأ حق وفضيحة فالعارف ‏[‏ص 539‏]‏ يتأمل كيف يصرف الأحكام الشرعية ولا يجمد على الظواهر‏.‏

- ‏(‏م عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال ابن القطان إنما يرويه عن مسلم عمر بن حمزة عن عبد الرحمن بن سعد عن أبي سعيد وعمر ضعفه ابن معين وقال أحمد‏:‏ أحاديثه مناكير فالحديث به حسن لا صحيح انتهى‏.‏

2492 - ‏(‏إن من شر‏)‏ وفي رواية إن شر ‏(‏الناس منزلة عند اللّه يوم القيامة عبداً‏)‏ أي إنساناً مكلفاً حراً كان أو عبداً ‏(‏أذهب آخرته بدنيا غيره‏)‏ أي باع دينه بدنيا غيره ومن ثم سماه الفقهاء أخس الأخساء وقالوا‏:‏ لو أوصى للأخس صرف له وفي ذكر عبد دون رجل أو امرأة توبيخ شديد حيث ترك رضى مولاه لرضى من هو مثله ولا تدافع بين هذا والخبر المار إن شر الناس من يتقى فحشه لأن من أذهب آخرته بدنيا غيره يكون ذا فحش أشد فمن أقدم عليه على أي شيء شاء فيتركه الناس اتقاء فحشه‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي‏.‏

2493 - ‏(‏إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط اللّه تعالى‏)‏ إذ لولا ضعفه لما فعل ذلك لأن من قوي بيقينه علم أن اللّه تعالى هو النافع الضار وأنه لا معول إلا على رضاه وليس لأحد غيره من الأمر شيء فلا يهاب أحداً ولا يخشاه حتى يرضيه لخوف لحوق ضرر منه إليه ‏(‏وأن تحمدوهم‏)‏ أي تصفهم بالجميل ‏(‏على رزق اللّه‏)‏ أي على ما وصل إليك على يدهم من رزق اللّه لأن اللّه هو الرزاق وحده ‏(‏وأن تذمهم على ما لم يؤتك اللّه‏)‏ أي على ما منعهم ما بأيديهم عنك مع أن المانع إنما هو اللّه لا هم فإنهم مأمورون مسخرون‏.‏ ‏(‏إن رزق اللّه لا يجره إليك حرص حريص‏)‏ أي اجتهاد مجتهد متهالك على تحصيله قالوا‏:‏ والحرص الشح على الشيء أن يضيع أو يتلف ‏(‏ولا يرده‏)‏ عنك ‏(‏كراهة كاره‏)‏ حصوله لك فما لم يقدر لك لم يأتك على كل حال وما قدر لك خرق الحجاب وطرق عليك الباب ‏(‏وإن اللّه بحكمته‏)‏ أي بإحاطته بالكليات والجزئيات بأسرها وإتقان صنعها ووضعها في مواضعها اللائقة بها ‏(‏وجلاله‏)‏ أي عظمته التي لا تتناهى ‏(‏جعل الروح‏)‏ بفتح الراء أي الراحة وطيب النفس قال في الصحاح وغيره الروح بالفتح من الاستراحة وكذا الراحة ‏(‏والفرح‏)‏ أي السرور والنشاط والانبساط قالوا‏:‏ والفرح لذة القلب بنيل ما يشتهى ‏(‏في الرضى واليقين‏)‏ فمن أوتي يقيناً استحضر به قوله تعالى ‏{‏قل كل من عند اللّه‏}‏ فشاهد الخير عياناً فقر وسكن ولم يضطرب فما سمع بأذنه من خبر ربه أبصره بعين قلبه وبصر القلب هو اليقين فمن تيقن أن الكل من اللّه وباللّه وللّه نال الثواب ورضي عن اللّه ورضي اللّه عنه ولم يلتفت لغيره ‏(‏وجعل الهم والحزن في الشك‏)‏ أي التردد وعدم الجزم بأن الكل بإرادته تعالى وتقديره ‏(‏والسخط‏)‏ أي عدم الرضى بالفضاء ومن كان بهذه الحالة لم يصبر على ضيق ولم يرضى بمكروه فما ترى إلا ساخطاً للقضاء جازعاً عند البلاء فيحبط عمله ولا يغني عنه ذلك شيئاً‏.‏

- ‏(‏حل هب عن أبي سعيد‏)‏ الخدري وظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله محمد بن مروان السدي أي أحد رجاله ضعيف انتهى وفيه أيضاً عطية العوفي أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال ضعفوه وموسى بن بلال قال الأزدري ساقط‏.‏

‏[‏ص 540‏]‏ 2494 - ‏(‏إن من عباد اللّه من‏)‏ أي إنسان ‏(‏لو أقسم على اللّه لأبره‏)‏ أي لجعله راضياً باراً صادقاً في يمينه لكرامته عليه ضمن على معنى العزم يعني أقسم عازماً على اللّه أن يفعل ما يريده والمقسم به محذوف وللقاضي هنا تكلف ينافر السياق‏.‏

- ‏(‏حم ق د ن ه عن أنس‏)‏ إن الربيع عمته كسرت ثنية جارية فعرض عليها الأرش فأبت فأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بالقصاص فقالت أمها أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق فذكره وليس مراده أن حلفها ردّ قضائه بل ترغيب المستحق في العفو‏.‏

2495 - ‏(‏إن من فقه الرجل‏)‏ أي من علامة معرفته بالأحكام الشرعية ‏(‏تعجيل فطره‏)‏ إذا كان صائماً أن يوقعه عقب تحقق الغروب ‏(‏وتـأخير سحوره‏)‏ إلى قبيل الفجر بحيث لا يوقع التأخير في شك فهاتان سنتان مؤكدتان دالتان على فقه فاعلهما المحافظ عليهما‏.‏

- ‏(‏ص عن مكحول‏)‏ الدمشقي ‏(‏مرسلاً‏)‏‏.‏

2496 - ‏(‏إن مما أدرك الناس‏)‏ أي الجاهلية ويجوز رفع الناس على عائد محذوف ونصبه على أن العائد ضمير الفاعل وأدرك بمعنى بلغ ذكره الطيبي وغيره لكن الرواية بالرفع فقد قال الحافظ ابن حجر الناس بالرفع في جميع الطرق ‏(‏من كلام النبوة الأولى‏)‏ أي مما اتفق عليه شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنه جاء في أولاهما ثم تتابعت بقيته عليه ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم وقوله الأولى أي التي قبل نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم وعليهم أجمعين فالحياء لم يزل أمره ثابتاً واستعماله واجباً منذ زمان النبوة الأولى وما من نبي إلا وقد حث عليه وندب إليه وافهم بإضافة الكلام إلى النبوة أن هذا من نتائج الوحي وأن الحياء مأمور به في جميع الشرائع ‏(‏إذا لم تستح فاصنع ما شئت‏)‏ فإنك مجزي به فهو أمر تهديد لتاركه نحو ‏{‏اعملوا ما شئتم‏}‏ أو أراد الخبر يعني عدم الحياء، يورث الاستهتار والانهماك في هتك الأستار أو المراد ما لا تستحي من اللّه في فعله فافعله وما لا فلا فهو أمر إباحة والأول أولى‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ فيه إشعار بأن الذي يكف الإنسان ويردعه عن مواقعة السوء هو الحياء فإذا رفضه وخلع ربقته فهو كالمأمور بارتكاب كل ضلالة وتعاطي كل سيئة‏.‏

- ‏(‏حم خ‏)‏ في ذكر بني إسرائيل لكن بدون لفظ الأولى ‏(‏د‏)‏ في الأدب ‏(‏ه‏)‏ في الزهد ‏(‏عن ابن مسعود حم عن حذيفة‏)‏ بن اليمان لكن قوله الأولى ليست في رواية البخاري كما تقرر‏.‏

2497 - ‏(‏إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً نشره‏)‏ بين الناس بنحو نقل وإفتاء وتأليف ‏(‏وولداً صالحاً‏)‏ أي مسلماً ‏(‏تركه‏)‏ أي خلفه بعده يدعو له ‏(‏ومصحفاً ورَّثه‏)‏ بالتشديد أي خلَّفه لوارثه ويظهر أن مثله كتب الحديث كالصحيحين ‏(‏أو مسجداً بناه‏)‏ للّه تعالى لا للرياء والسمعة ومثله الرباط والمدرسة ومصلى العيد ونحو ذلك كما يعلم بالأولى من قوله ‏(‏أو بيتاً لابن السبيل بناه‏)‏ للّه تعالى لا للرياء يعني خاناً تنزل فيه المارة من المسافرين بنحو جهاد أو حج ‏(‏أو نهراً أجراه‏)‏ أي حفره وأجرى فيه الماء لتحيى به الأرض وأهلها ‏(‏أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته‏)‏ وهو يؤمل البقاء ويخشى الفقر ‏(‏تلحقه من بعد موته‏)‏ أي هذه الأعمال يجري على المؤمن ثوابها من بعد موته ‏[‏ص 541‏]‏ فإذا مات انقطع عمله إلا منها وتحصل من الأخبار أن الذي تجري عليهم أجورهم بعد الموت أحد عشر نظمها المؤلف وبسطها السخاوي وغيره وتمسك بظاهر هذا الخبر وما أشبهه من زعم أن الميت لا ينتفع إلا بما نسب إليه في الحياة وأطالوا في رده حكى القرطبي أن ابن عبد السلام كان يفتي بأنه لا يصل للميت ثواب ما يقرأ عليه ويهدى له لقوله سبحانه وتعالى ‏{‏وأن ليس للإنسان إلا ما سعى‏}‏ فلما مات رآه بعض أصحابه فقال له كنت تقول لا يصل للميت ثواب ما يقرأ عليه ويهدى له فكيف الأمر قال‏:‏ كنت أقول ذلك في الدنيا والآن قد رجعنا عنه لما رأيت من كرم اللّه وأنه يصل إليه ذلك‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ وكذا البيهقي ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال المنذري إسناده حسن ورواه أيضاً ابن خزيمة لكنه قال أو نهراً أجراه وقال يعني حفره ولم يذكر المصحف‏.‏

2498 - ‏(‏إن من معادن التقوى‏)‏ أي أصولها ‏(‏تعلمك إلى ما قد علمت علم ما لم تعلم‏)‏ ولا تقنع بما علمت فإن القناعة فيه زهد والزهد فيه ترك والترك له جهل وللعلوم أوائل تؤدي إلى آخرها ومداخل تفضي إلى حقائقها وللحقائق مراتب فمن أصول التقوى الترقي في تعلمها فإذا أدرك الأوائل والمداخل لا يظن أنه قد حاز من العلم جمهوره وأدرك منه مشهوره وأنه لم يبق منه إلا غامضاً طلبه عناء بل يقرأ مما أدرك فلا ينبغي تركه لاستصعابه فإنه مطية المتوكىء وعذر المقصرين والعلم كله صعب على من جهله سهل على من علمه والمعاني شوارد تضل بالإغفال والعلوم وحشية تنفر بالإرسال فإذا حفظها بعد الفهم أنست وإذا ذكرها بعد الأنس رست قال بعضهم من أكثر المذاكرة بالعلم لم ينس ما علم واستفاد ما لم يعلم وحق على من طلب المعالي تحمل تعب الطلب والدرس ليدرك راحة العلم وتنتفي عنه معرة الجهل وبقدر الرغبة يكون الطلب وبحسب الراحة يكون التعب وقيل مطية الراحة قلة الاستراحة فإن كلت النفس يوماً تركها ترك راحة ثم عاودها بعد استراحة فإن إجابتها تسرع وطاعتها ترجع قال عيسى عليه السلام يا صاحب العلم تعلم ما جهلت وعلم الجهال ما علمت قال الحكماء عليك بالإكثار من العلم فإن قليله أشبه بقليل الخير وكثيره أشبه شيء بكثيره ‏(‏والنقص فيما علمت قلة الزيادة فيه‏)‏ أي وقلة زيادة العلم نقص له لأن الإنسان معرض للنسيان الحادث عن غفلة التقصير وإهمال التواني فإذا لم يزد فيه نقص بسبب ذلك فعلى الطالب أن يذكر ذلك بإدامة الطلب قال الحكماء‏:‏ لا تخل قلبك من المذاكرة فيعود عقيماً ولا تعف طبعك عن المناظرة فيعود سقيماً ومتى أهمل سياسة نفسه بازديادها من العلوم وأغفل رياضتها بتدرجها في الفهوم فقد عرض ما حصله للضياع ‏(‏وإنما يزهد الرجل‏)‏ أي الإنسان وذكر الرجل غالبي ‏(‏في علم ما لم يعلم قلة الانتفاع بما قد علم‏)‏ إذ لو انتفع به لحلا له العكوف عليه وصرف نفائس أوقاته إليه وفي منثور الحكم لم ينتفع بعلمه من ترك العمل به قال الحكماء‏:‏ ومن تمام العلم استعماله ومن تمام العمل استقلاله فمن استعمل علمه لم يخل من رشاد ومن استقل عمله لم يقصر عن مراد قال أبو تمام‏:‏

ولم يحمدوا من عالم غير عامل * حلالاً ولا من عامل غير عالم

رأوا طرقات المجد عوجاً فظيعة * وأفظع عجز عندهم عجز حازم

- ‏(‏خط عن جابر‏)‏ وفيه ابن معاذ قال في الميزان قال ابن معين ليس بشيء وقال البخاري منكر الحديث وقال ابن أبي شيبية متروك وقال ابن حبان يروي الموضوعات وأورد له هذا الخبر وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال لا يصح والمتهم به أي بوضعه ياسين الزيات ورواه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي وفيه ياسين الزيات وهو منكر الحديث‏.‏

2499 - ‏(‏إن من موجبات المغفرة‏)‏ أي من أسباب ستر الذنوب وعدم المؤاخذة بها ‏(‏بذل السلام‏)‏ أي إفشاؤه بين الناس على كل من لقيته عرفته أم لا سيما الفقراء والمساكين ‏(‏وحسن الكلام‏)‏ أي إلانة القول للإخوان واستعطافهم على منهج المداراة لا على طريق المداهنة والبهتان‏.‏

- ‏(‏طب عن هانئ‏)‏ بفتح الهاء وكسر النون وبمثناة تحت ‏(‏ابن يزيد‏)‏ ابن أبي شريح الأنصاري الأوسي المدني شهد بدراً وجميع المشاهد روى له البخاري حديثاً واحد قال قلت يا رسول اللّه دلني على عمل يدخلني الجنة فذكره قال الهيثمي فيه أبو عبيدة بن عبد اللّه الأشجعي روى عنه أحمد ولم يضعفه أحمد وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى وهو ذهول فإن الأشجعي هذا من رجال الصحيحين وقال الحافظ العراقي‏:‏ رواه ابن أبي شيبة والطبراني والخرائطي والبهيقي من حديث هانئ بن يزيد بإسناد جيد انتهى‏.‏

2500 - ‏(‏إن من موجبات المغفرة‏)‏ للذنوب من علام الغيوب ‏(‏ادخالك‏)‏ وفي رواية ادخال ‏(‏السرور‏)‏ أي الفرح والبشر ‏(‏على أخيك المسلم‏)‏ وفي رواية المؤمن أي بنحو بشارة بإحسان أو اتحاف بهدية أو تفريج كرب عن نحو معسر أو انقاذ محترم من ضرر ونحو ذلك وذلك لأن الخلق كلهم عيال اللّه وأحبهم إليه أنفعهم لعياله ومن أحبه اللّه غفر له‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا في الأوسط من حديث عبد اللّه بن حسن عن أبيه ‏(‏عن‏)‏ جده ‏(‏الحسين‏)‏ احدى الريحانتين ‏(‏بن علي‏)‏ أمير المؤمنين وضعفه المنذري وقال الهيثمي فيه جهم بن عثمان وهو ضعيف وقال ابن حجر‏:‏ جهم بن عثمان فيه جهالة وبعضهم تكلم فيه وعبد اللّه هذا من أئمة أهل البيت وعبادهم تابعي روى عن عبد اللّه بن جعفر وكبار التابعين وعنه مالك والزهري وأثنى عليه الكبار‏.‏

2501 - ‏(‏إن من نعمة اللّه على عبده أن يشبهه ولده‏)‏ أي خلقاً وخلقاً أما الأول فلئلا يستريب أحد في نسبه إذا لم يشبهه فيه وأما الثاني فلأنه إذا تغايرت الطباع وقع التنافر والتشاجر المؤدي إلى العقوق والتقصير في الحقوق وجهد كل منهماً في نقل صاحبه عن طباعه وتأبى الطباع على الناقل فأعظم بالتشابه من نعمة الناس عنهما غافلون وما يجحد بها إلا الجاهلون قال الحكماء‏:‏ الولد الشين يشين السلف ويهدم الشرف والجار السوء يفشي السر ويهتك الستر والسلطان الجائر يخيف البريء ويصطنع الدنيء والبلد السوء يجمع السفل ويورث العلل‏.‏

- ‏(‏الشيرازي في‏)‏ كتاب ‏(‏الألقاب‏)‏ له ‏(‏عن إبراهيم‏)‏ ابن يزيد النخعي، بفتح النون والمعجمة ثم مهملة الفقيه إمام أهل الكوفة المجمع على جلالته علماً وعملاً وكان عجباً في الورع متوقياً للشبه حمل عنه العلم وهو ابن ثمان عشرة سنة ولما مات قال الشعبي‏:‏ ما ترك أحد أعلم منه قالوا ولا الحسن قال ولا الحسن ولا ابن سيرين ولا أهل البصرة والحجاز أجمعين مات سنة ست وتسعين عن ست وأربعين ‏(‏مرسلاً‏)‏ أرسل عن خاله الأسود وعلقمة رأى عائشة رضي اللّه تعالى عنها‏.‏

2502 - ‏(‏إن من هوان الدنيا‏)‏ أي احتقارها ‏(‏على اللّه أن يحيى‏)‏ من الحياة سمي به لأن اللّه أحيا قلبه فلم يذنب ولم يهم وفي خبر ما من آدمي إلا قد أخطأ أو هم بخطيئة إلا يحيى ‏(‏ابن زكريا‏)‏ النبي ابن النبي عليهما أفضل الصلاة والسلام قتلته امرأة‏)‏ بغي من بغايا بني إسرائيل ذبحته بيدها ذبحاً أو ذبح لرضاها وأهدى رأسه إليها في طست من ذهب كما في الربيع وفي المستدرك عن ابن الزبير من أنكر البلاء فإني لا أنكره لقد ذكر أن قتل يحيى بن زكريا عليهما السلام في زانية وفي البيهقي عن ابن عباس قصة قتله أن بنت أخ للملك سألته ذبحه فذبحه حين حرم نكاح بنت الأخ وكانت ‏[‏ص 543‏]‏ تعجب الملك ويريد نكاحها اهـ‏.‏ وكما أن ذلك من هوان الدنيا على اللّه وهو تحفة ليحيى عليه السلام وإذا أراد اللّه تعالى أن يتحف عبداً سلط عليه من يظلمه ثم يرزقه التسليم والرضى فيكتب في ديوان الراضين حتى يستوجب غداً الرضوان الأكبر والفردوس الأعظم الأفخر قال الزمخشري‏:‏ وهذا تسلية عظيمة لفاضل يرى الناقص الفاجر يظفر من الدنيا بالحظ الأسنى والعيش الأهنئ كما أصابت تلك الفاجرة تلك الهدية العظيمة الفاخرة‏.‏

- ‏(‏هب عن أبي‏)‏ بن كعب وقضية كلام المصنف أن البهيقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه هذا إسناد ضعيف‏.‏

2503 - ‏(‏إن من يمن المرأة‏)‏ أي بركتها ‏(‏تيسير خطبتها‏)‏ بالكسر أي سهولة سؤال الخاطب أولياءها نكاحها واجابتهم بسهولة من غير توقف ‏(‏وتيسير صداقتها‏)‏ أي عدم التشديد في تكثيره ووجدانه بيد الخاطب من غير كد في تحصيله ‏(‏وتيسير رحمها‏)‏ أي للولادة بأن تكون سريعة الحمل كثيرة النسل -‏[‏كما ورد في حديث‏:‏ خير نسائكم الولود الودود‏.‏ دار الحديث‏]‏- قاله عروة قال وأنا أقول إن من أول شؤمها أن يكثر صداقها‏.‏

- ‏(‏حم ك‏)‏ في الصداق ‏(‏هق كلهم عن عائشة‏)‏ قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي سنده جيد لكن قال تلميذه الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد فيه أسامة بن زيد بن أسلم وهو ضعيف وقد وثق وبقية رجاله ثقات‏.‏

2504 - ‏(‏إن موسى‏)‏ كليم اللّه ‏(‏أجر نفسه ثمان سنين أو عشراً على عفة فرجه وطعام بطنه‏)‏ قال الطيبي‏:‏ كنى بعفة الفرج عن النكاح تأدباً وأنه مما ينبغي أن يمد مالاً لاكتساب العفة به وفيه خلاف قال الحنيفة‏:‏ لا يجوز ترويح المرأة بأن يخدمها مدة ويجوز بأن يخدمها عبده وقالوا كان جائزاً في تلك الشريعة وأجاز الشافعي جعل المهر خدمة أو غيرها من الأعمال قيل وفيه جواز الاستئجار للخدمة من غير بيان نوعها وبه قال مالك ويحمل على العرف وقال أبو حنيفة والشافعي‏:‏ لا يصح حتى بغير نوعها وأقول الاستدلال به إنما ينهض عند القائل بأن شرع من قبلنا شرع لنا والأصح عند الشافعية خلافه‏.‏

- ‏(‏حم ه عن عتبة‏)‏ بضم المهملة وسكون المثناة الفوقية ثم موحدة ‏(‏ابن الندر‏)‏ بضم النون وشدة الدال المهملة صحابي شهد فتح مصر وسكن دمشق قال‏:‏ كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقرأ طسم حتى إذا بلغ قصة موسى عليه السلام ذكره‏.‏

2505 - ‏(‏إن ملائكة النهار‏)‏ الذين في الأرض ‏(‏أرأف‏)‏ أي أشد رحمة ‏(‏من ملائكة الليل‏)‏ أي فادفنوا موتاكم بالنهار ولا تدفنوهم بالليل كما جاء مصرحاً به في خبر الديلمي من حديث ابن عباس يرفعه بادروا بموتاكم ملائكة النهار فإنهم أرأف من ملائكة الليل اهـ قال الديلمي عقبه‏:‏ يعني يدفن الميت نهاراً ولا يحتبس في البيت ليلاً‏.‏

- ‏(‏ابن النجار‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ ورواه عنه الديلمي أيضاً كما تقرر‏.‏

2506 - ‏(‏إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم‏)‏ لو جمع حطب الدنيا فأوقد حتى صار ناراً كان جزءاً واحداً من أجزاء نار جهنم الذي هو من سبعين جزءاً أشد من حر نار الدنيا ‏(‏ولولا أنها أطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم بها وإنها‏)‏ أي هذه النار التي في الدنيا ‏(‏لتدعوا اللّه أن لا يعيدها فيها لشدة حرها ومقصوده التحذير من جهنم والإعلام بفظاعتها وبشاعتها فعلى العاقل المحافظة على تجنب ما يقرب إليها من الخطايا‏.‏

- ‏(‏ه ك‏)‏ في كتاب الأهوال ‏[‏ص 544‏]‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ وقال الحاكم صحيح‏.‏

2507- ‏(‏إن نطفة الرجل بيضاء غليظة فمنها يكون العظام والعصب‏)‏ للولد الذي يخلق منها لغلظها وغلظ العظم والعصب ‏(‏وإن نطفة المرآة صفراء رقيقة فمنها يكون اللحم والدم‏)‏ للولد لرقتها فحصل التناسل وهذا كالمصرح بأنه ليس كل جزء من أجزاء الآدمي مخلوقاً من مائهما بل البعض من الرجل والبعض منها لكن في أخبار أخر ما يفيد أن كل جزء مخلوق من منيهما مطلقاً‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن مسعود‏)‏ عبد اللّه‏.‏

2508- ‏(‏إن هذا الدين متين‏)‏ أي صلب شديد ‏(‏فأوغلوا‏)‏ أي سيروا ‏(‏فيه برفق‏)‏ من غير تكلف ولا تحملوا على أنفسكم ما لا تطيقونه فتعجزوا وتتركوا العمل والإيغال كما في النهاية السير الشديد والوغول الدخول في الشيء اهـ والظاهر أن المراد في الحديث السير لا يفيد الشدة إذ لا يلائم السياق وقال الغزالي‏:‏ أراد بهذا الحديث أن لا يكلف نفسه في أعماله الدينية ما يخالف العادة بل يكون بتلطف وتدريج فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطرف الأقصى من التبدل فإن الطبع نفور ولا يمكن نقله عن أخلاقه الرديئة إلا شيئاً فشيئاً حتى تنفصم تلك الصفات المذمومة الراسخة فيه ومن لم يراع التدريج وتوغل دفعة واحدة ترقى إلى حالة تشق عليه فتنعكس أموره فيصير ما كان محبوباً عنده ممقوتاً وما كان مكروهاً عنده مشرباً هنيئاً لا ينفر عنه وهذا لا يعرف إلا بالتجربة والذوق وله نظير في العادات فإن الصبي يحمل على التعليم ابتداء قهراً فيشق عليه الصبر عن اللعب والصبر مع العلم حتى إذا انفتحت بصيرته وأنس بالعلم انقلب الأمر فصار يشق عليه الصبر عن العلم‏.‏

- ‏(‏حم عن أنس‏)‏‏.‏

2509- ‏(‏إن هذا الدين متين فأوغل- قال في النهاية الإيغال السير الشديد يقال أوغل القوم وتوغلوا إذا أمعنوا في سيرهم والوغول الدخول في الشيء انتهى- فيه برفق-أي بالغ في العبادة لكن اجعل تلك المبالغة مع رفق فإن الذي يبالغ فيها بغير رفق ويتكلف من العبادة فوق طاقته يوشك أن يمل حتى ينقطع عن الواجبات فيكون مثله مثل الذي أجهد دابته في سفره حتى أعياها وعطبت ولم يقض وطره- فإن المنبت‏)‏ وهو الذي انقطع به في السفر وعطلت راحليه ولم يقض وطره ‏(‏لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى‏)‏ أي فلا هو قطع الأرض التي يممها ولا هو أبقى ظهره ينفعه فكذا من تكلف من العبادة ما لا يطيق فيكره التشديد في العبادة لذلك ويقال للمنقطع به في سفره منبت من البت وهو القطع‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ بدأ الشرائع كان علي التخفيف ولا يعرف في شرع نوح وصالح وإبراهيم عليهم السلام تثقيل ثم جاء موسى عليه السلام بالتشديد والأثقال وجاء عيسى عليه السلام بنحوه وجاءت شريعة نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم بنسخ تشديد أهل الكتاب ولا تنطق بتسهيل من كان قبلهم فهي على غاية الاعتدال‏.‏

- ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏عن جابر‏)‏ قال الهيثمي وفيه يحيى بن المتوكل أبو عقيل وهو كذاب انتهى ورواه البيهقي في السنن من طرق وفيه اضطراب روي موصولاً ومرسلاً ومرفوعاً وموقوفاً واضطرب في الصحابي أهـو جابر أو عائشة أو عمر‏؟‏ ورجح البخاري في التاريخ إرساله‏.‏

‏[‏ص 545‏]‏ 2510- ‏(‏إن هذا الدينار والدرهم‏)‏ أي مضروبي الذهب والفضة ‏(‏أهلكا من كان قبلكم‏)‏ من الأمم السالفة ‏(‏وهما‏)‏ لفظ رواية الطبراني وما أراهما ‏(‏إلا مهلكاكم‏)‏ أيتها الأمة لأن كل منهما زينة الحياة الدنيا كما أخبر اللّه سبحانه به وقضية ما يزين به التفاخر والتكبر والتهافت على جمعه من أي قبيل والتساقط على صرفه في اللذات والشهوات المهلكات قال الحرالي‏:‏ المتعلق خوفهم ورجاؤهم بالدينار والدرهم مشركو هذه الأمة وما تعلق به خوفهم ورجاؤهم هو ربهم ومعبودهم الذي إليه تصرف جميع أعمالهم واسم كل امرئ مكتوب علي وجه ما اطمئنان به قلبه وقد رأى عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام الدنيا في صورة عجوز عليها من كل زينة فقال لها كم تزوجت قالت لا أحصيهم قال فكلهم مات عنك أو طلقك قالت بل قتلتهم كلهم فقال تباً لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين كيف تهلكيهم واحداً بعد واحد ولا يكونوا منك على حذر‏؟‏ وقال أبو العلاء‏:‏ رأيت عجوز في النوم مزينة والناس عليها عكوف يعجبون من حسنها فقلت من أنت قالت الدنيا قلت أعوذ باللّه من شرك قالت إن أحببت أن تعاديني فابغض الدرهم والدينار انتهى‏.‏ لكن مما ينبغي أن يعلم أن الدينار والدرهم يتعلق بهما نظام الوجود فإذا لم يجعل اللّه لعبده تعلقاً قلبياً به بل زهده فيه وجعله كثير النوال ناسجاً به نظام الشريعة على أحسن منوال كان جديراً بالعز والإقبال وحسن الثناء عليه من كل ذي مقال كما يشير إليه خبر ورجل أتاه اللّه مالاً فهو ينفق منه فالمال من حيث كونه ما لا ليس بقبيح شرعاً ولا عقلاً وإنما يحسن أو يقبح بالإضاءة إلى مالكه‏.‏

- ‏(‏طب هب عن ابن مسعود عن أبي موسى‏)‏ الأشعري قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني فيه يحيى بن الندر وهو ضعيف‏.‏

2511 - ‏(‏إن هذا العلم‏)‏ الشرعي الصادق بالتفسير والحديث والفقه وأصول الدين وأصول الفقه ويلحق بها آلاتها ‏(‏دين فانظروا‏)‏ أي تأملوا ‏(‏عمن تأخذون دينكم‏)‏ أي فلا تأخذوا الدين إلا عمن تحققتم كونه من أهله وفي الإنجيل هل يستطيع أعمى أن يقود أعمى أليس يقعان كلاهما في بئر انتهى فعلى الطالب أن يتحرى الآخذ عمن اشتهرت ديانته وكملت أهليته وتحققت شفقته وظهرت مروءته وعرفت عفته وكان أحسن تعليماً وأجود تفهيماً ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق حسن وليحذر من التقيد بالمشهورين وترك الآخذ عن الخاملين فقد عدوا مثل ذلك من الكبر وجعلوه عين الحمق لأن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها ويغتنمها حيث ظفر بها فإن كان الخامل مرجو البركة فالنفع به أعمّ والتحصيل من جهته أهم وإذا سبرت أحوال السلف والخلف لم تجد النفع يحصل غالباً والفلاح يدرك طالباً إلا إذا كان للشيخ من التقوى نصيب وافر وعلى نصحه للطلبة دليل ظاهر وفي الموطأ ما يدل على أن على المستفتي سؤال الأعلم فالأعلم لأنه أقرب اصابة ممن دونه قال ابن القيم‏:‏ وعليه فطر اللّه عباده وقال الماوردي‏:‏ ليأخذ الطالب حظه ممن وجد طلبته عنده من نبيه وخامل ولا يطلب الصيت وحسن الذكر باتباع أهل المنازل من العلماء وبعد الذكر إذا كان النفع بغيرهم أعم إلا أن يستوي النفعان فيكون الآخذ عمن اشتهر ذكره وارتفع قدره أولى لأن الانتساب إليه أجمل والآخذ عنه أشهر وإذا قرب منك العلم فلا تطلب ما بعد وإذا سهل لك من وجه فلا تطلب ما صعب وإذا حمدت من خبرته فلا تطلب من لم تخبره فإن العدول عن القريب إلى البعيد عناء وترك الأسهل بالأصعب بلاء والانتقام عن المخبور إلى غيره خطر قال علي‏:‏ عقبى الأخرق مضرة والمتعسف لا تدوم له مسرة وقال الحكماء‏:‏ القصد أسهل من التعسف والكفاف أورع من التكلف‏.‏